مدونة الطالب

بسم الله الحمد لله الله اكبر

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

ثمانون عاما وهي خاوية على عروشها! (2) الإخوان وإدانة الجهاد العالميد. أكرم حجازي3/9/2009

حظي الجهاد بصيغته العالمية في الدول الإسلامية، خاصة أفغانستان والشيشان والبوسنة، بتعاطف شعبي كبير خاصة وقد استمد شرعيته، بمباركة رسمية، من مشايخ وعلماء السعودية ونسبيا بعض البلدان العربية. هذا ما حصل خلال المرحلة الأولى من الجهاد الأفغاني والتي انتهت بسيطرة المجاهدين على العاصمة كابول بمشاركة عشرات الآلاف من المسلمين عربا وعجما. وذات الأمر حصل في البوسنة والشيشان بقليل أو كثير من الحماسة مقارنة بأفغانستان.بيد أن الدعم أو غض الطرف بدأ يخفت ويضمر ويتلاشى، مع مجيء حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، إلى حد الملاحقة والمطاردة والإدانة خاصة كلما اقترب القرن العشرين من نهايته، وكلما اتجهت القاعدة من المطالبة بإخراج المشركين من جزيرة العرب إلى إعلان الحرب عليهم وشد الرحال إلى المسجد الأقصى والكفر بـ «الطواغيت».لكن بعد أن نفذت القاعدة الهجمات التاريخية الكبرى ضد رموز القوة في الولايات المتحدة في 11/9/2001 لم يعد للجهاد بصيغته العالمية أية مشروعية دينية أو سياسية على المستوى الرسمي. وحتى بالصيغة المحلية فلم يعد الجهاد يحظى بأي اعتراف من أية دولة عربية أو إسلامية. والحجة في ذلك أنه ليس ثمة راية شرعية في الشيشان أو أفغانستان أو العراق أو الصومال، رغم أن هذه البلدان في حالة جهاد دفع ضد عدو أجنبي صائل فضلا عن أنه كافر كما كان الحال سابقا. لكن المشكلة ليست في وضوح الراية من غموضها بل فيمن يميز بين كافر - مؤمن وكافر – ملحد!لا شك أن الموقف المعادي الشرس للجهاد بصيغته العالمية من دول العالم قاطبة مفهوم، ويمكن تفسيره وشرحه والوقوف على أدق تفاصيله والوصول حتى لخلاصاته. فالجهاد العالمي يقدم أطروحة عقدية تتناقض مع كافة المنظومات الوضعية مثلما تتناقض مع النظام الدولي في علاقاته التسلطية وأسسه القانونية، بل هي تتناقض مع كل ما تعتبره «طاغوتا» في الأرض يعبد من دون الله. وبالتالي فالعلاقة بين الجانبين هي علاقة عدائية، وكلٌّ فيها يستهدف الآخر ويسعى لاستئصاله. هذه الوضعية حتمت على كل دولة في العالم إدانة هجمات 11 سبتمبر دون تردد خاصة بعد التهديد الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جورج بوش «من ليس معنا فهو ضدنا». كما حتمت الهجمات على كل شخصية عامة بارزة، سواء كانت سياسية أو إعلامية أو أكاديمية أو ثقافية أو اجتماعية، وكل حزب أو تنظيم أو حركة أو مؤسسة محلية أو دولية تمارس مهامها بموجب القوانين المحلية أو الدولية، حيثما كانت، إدانة الهجمات وإلا فهي معرضة للملاحقة والتجميد أو الاتهام بـ «الإرهاب» ودعمه ومؤازرته والتحريض عليه. أما التيار السلفي الجهادي خاصة فقد غدا مدانا ومطاردا في شتى أنحاء العالم بوصفه تعبيرا عن قمة «الإرهاب».من المفترض أن الأطروحة السلفية تتقاطع مع أطروحة الإخوان المسلمين في العقيدة بوصفها جماعة دينية أو على الأقل ذات مرجعية دينية كما تزعم. لكن واقع الحال، قبل 11/9/2001 وخاصة بعده، يؤكد أن «الإخوان» و «السلفية» باتا على أكثر من طرفي نقيض، بحيث أن مظاهر الخلاف برزت للعيان بصورة جلية وواضحة بما لم يعد بالإمكان توريتها أو غض الطرف عنها. فهم، في كل الساحات الهادئة والساخنة، مفترقون في العقيدة والمنهج والمواقف والتحالفات وفي الأهداف. قد يكون ثمة تعاطف مع التيار السلفي الجهادي لدى الكثير من عناصر «الإخوان المسلمين» على مستوى الأفراد وحتى القيادات. لكن على المستوى الرسمي فالأمر مختلف تماما، إذ يتراوح بين المراوغة تارة والتنصل من التيار، تارة أخرى، ليصل في أغلب الأحايين إلى عداء سافر في مستوى القمة. هذا ما عبر عنه مهدي عاكف المرشد العام للجماعة لما استضافه منتدى حوار موقع الـ
BBC في 10 مارس 2007 للرد على أسئلة الزوار، حيث أجاب على السؤال التالي: « ما هو موقف جماعة الإخوان المسلمين من تنظيم القاعدة وهل هو موجود حقا؟»، بما يلي: « أنا شخصيا لا اعتقد أن هناك « تنظيم القاعدة »، إنما هو فكر منحرف يسري بين شباب الأمة بتحريض من العدو الصهيوني والأمريكي وتصرفاته ضد العرب والمسلمين. كما أن هذا الفكر ظهر نتيجة التصرفات التي يقوم بها هذا العدو ضد العرب والمسلمين. ليس غريبا أن تروج أمريكا والصهاينة هذا الفكر لأن كليهما لا يريدان لأحد أن يسمع عن الإسلام الصحيح والمعتدل أكثر من سماعه عن الإسلام الدموي. بل أن الإسلام الصحيح يحارب في مصر ومعظم الدول العربية والإسلامية». ربما سعى مهدي عاكف أن ينأى بالجماعة عن تحديد موقف رسمي يحفظ فيه خط الرجعة عند الحاجة؛ فنسب التصريح إلى شخصه وليس إلى الجماعة، رغم أنه في مناسبة أخرى حول الحوار مع الولايات المتحدة قال: « إذا أراد أحد أن يحاور الإخوان، فالحوار يكون معي شخصيًا». لكن هذه عادة الإخوان في الكثير من التصريحات الحساسة حيث تكثر التناقضات بحيث تبدو القاعدة، كفكر وتنظيم، في موضع حقيقة قائمة وفي موضع آخر غير موجودة! ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة إيلاف الإلكترونية (22/5/2008) حاول المرشد العام التبرؤ من تصريحاته السابقة مشيرا إلى أن بن لادن « بكل تأكيد مجاهد» إلا أن « الاسم (القاعدة) صناعة أميركية»، مضيفا أن: «القاعدة كفكر وتنظيم أتى من الظلم والفساد» وأنه، والكلام للمرشد، « يؤيد نشاطها ضد المحتل وليس ضد الشعوب». لكن إذا كان « الإسلام الصحيح والمعتدل يحارَب في مصر ومعظم الدول العربية والإسلامية»؛ فمن يحارِب «الإسلام الدموي» على حد تعبير المرشد العام؟ والذي « تحرض عليه وتروج له أمريكا والصهيونية»؟ وهل جهاد بن لادن صادق ضد الإخوان المسلمين وهم يتحالفون مع الولايات المتحدة أو أثيوبيا؟ ثم إذا كان الإخوان يمثلون «الإسلام الصحيح»، فمن هي الدول التي تحاربه في العراق والصومال وأفغانستان والجزائر وهم حلفاؤها!!!؟ لنرى.وحدهم ، دون سائر القوى الإسلامية والوطنية في الجزائر، وقف «الإخوان المسلمون» إلى جانب حكم الجنرالات الدموي، بقيادة وزير الدفاع خالد نزار وقائد الجيش محمد العماري، الذي انقلب على التجربة الديمقراطية الأولى سنة 1992، والتي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا ساحقا في الدورة الأولى. وقدم «إخوان» الجزائر ومن خلالهم حركة السلم والمجتمع «حمس» بقيادة الشيخ محفوظ النحناح كل الغطاء الشرعي، الديني والسياسي، للفاشية الجزائرية بكل ما تمخض عنه من مذابح أتت على الأخضر واليابس قبل أن تنزلق بعض القوى الإسلامية في أتونها بفعل الاختراقات الأمنية التي وصلت إلى قمة السلطة في بعض الجماعات الإسلامية. وفيما عدا «الإخوان» وما يعانونه من هوس الوصول أو البقاء في السلطة، فلم تعد قوة في العالم تدعم حكم العسكر، بما في ذلك الفرنسيين، إلا وتخلت عنهم بعد افتضاح وحشيتهم على ملأ الأرض فضلا عن الاعترافات الشهيرة لبعض الضباط الجزائريين في الدور القذر الذي لعبوه مع الدرك الوطني وأجهزة الاستخبارات الجزائرية في إبادة قرى وعائلات كاملة للسيطرة على أراضيها.فلماذا تحالفت حركة «حمس» مع العسكر؟ وما الذي جنته من تحالفها معهم ضد كافة القوى السياسية، وضد المجتمع في واحدة من أشهر المذابح التاريخية التي ترتكب في العالم الإسلامي؟ وما الذي حققته من مصلحة للإسلام والمسلمين؟ وما هي المفسدة التي دفعتها من هكذا تحالفات شرّعت لنهب البلاد وقتل العباد بفظاعة عز نظيرها، ولم تفعلها حتى القوى العلمانية؟ وما الذي جناه رؤوس «الإخوان المسلمين» في أفغانستان من أمثال الجنرال عبد الرسول سياف وبرهان الدين رباني من امتطاء ظهور الدبابات الأمريكية في أفغانستان، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، ودخولهم العاصمة كابول بنشوة سِفاح وكأنهم فاتحين؟ وما الذي جناه رؤوس «إخوان» اليمن، خاصة، وهم يجهدون، بإيعاز من شيوخهم في اليمن، للسيطرة على كتيبة المجاهدين العرب زمن الحرب البوسنية غير إيقاع الفتنة بين المجاهدين حتى كاد الشيخ أنور شعبان يفقد صوابه من هول الفتنة؟لكن، إذا تجاوزنا المسألة الشرعية مبدئيا، فهل كان حال «الإخوان» في فلسطين والعراق والصومال أكثر كرامة وشرفا من أشقائهم في أفغانستان والجزائر؟
حماس فلسطين(1)
ما من أحد يعلم حتى اللحظة أسرار، وليس أسباب، ظهور حركة حماس في فلسطين. ولا ندري، من باب الدقة، إن كان للشيخ عبد الله عزام يد في النشأة أم لا، ليس فيما يتعلق بكتابته ميثاق الحركة كما يشاع أحيانا، ولا بكونه أحد أعمدة الإخوان المسلمين قبل أن يتجه إلى أفغانستان مطلع الثمانينات من القرن العشرين، بل فيما كان يحضَّره لفلسطين انطلاقا من أفغانستان ولم يعجب الإخوان المسلمين. فقد عمل الرجل بسرية تامة على إعداد جيل خاص بفلسطين ابتداء من النصف الثاني من الثمانينات من خلال معسكر أنشاه في أفغانستان، وكان حكرا على الفلسطينيين. ويردد البعض ممن تواجدوا في الساحة آنذاك أن المعسكر اتخذ اسم «حماس» قبل أن تنشأ الحركة الراهنة. إلا أن الرجل الذي كان يتلقى تبرعات المحسنين عبر نافذة الإخوان تعرض لضغوطات مباشرة لإغلاق المعسكر من شخصيات إخوانية أبرزها الشيخ عبد المجيد الزنداني في اليمن. وقد جرى اجتماع بين الشيخ عبد الله عزام وشخصيتين أخرتين من بينهما واحدة فلسطينية في مدينة بيشاور وخيروا الشيخ عبد الله عزام بين إغلاق المعسكر واستمرار التبرعات أو وقفها. بل أنهم حدثوه بموجب قرار اتخذته الجماعة وليس اجتهادا منهم، فما كان من الرجل إلا وأغلق المعسكر.كثيرة هي التصريحات التي تتحدث عن حماس بوصفها حركة تحرر لا يتعدى نشاطها فلسطين المحتلة. بل أن هذه الصيغة ترد تباعا في
وثائق «حماس» وبياناتها. وهذا يعني أن «حماس» لا تمتلك جناحا عسكريا في الخارج، وليست بوارد العمل من خارج فلسطين، رغم أن المنظمات الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، تموضعت في أغلبها في الخارج منذ اللحظات الأولى للنشأة وإلى حين اندلاع الانتفاضة الأولى في 9/12/1987. بل أن حركة الجهاد الإسلامي كانت قياداتها الفاعلة عسكريا ومؤسسيها في الخارج لما كانت الحركة تحمل اسم «سرايا الجهاد الإسلامي» وكانت الجهاد واحدة منها. وظلت كذلك إلى أن اغتالت إسرائيل أبرز قياداتها العسكرية في مدينة ليماسول القبرصية في 14/2/1988 لتنتهي «السرايا» وتستقل حركة الجهاد وحدها. والسؤال: لماذا شذت حماس عن القاعدة؟ ولماذا تصر على أنها حركة تحرر تمارس نشاطها ضد إسرائيل في فلسطين وانطلاقا منها وليس في الخارج أو ضد أية مصالح إسرائيلية أو غربية تدعم إسرائيل كالولايات المتحدة مثلا؟السبب بسيط! وهو أن «الإخوان المسلمين»، ومن ورائهم «السروريين»، لا يحتملون تنظيما مسلحا في الخارج سواء كان فلسطينيا أو غير فلسطيني. ولا يحتملون أي شكل من أشكال المقاومة أو الجهاد ما لم يحظ بمشروعية دولية وليس عربية فقط. والحقيقة أنهم قد يتعاطفون مع تيارات الجهاد العالمي حتى ذات الصبغة المحلية كالشيشان أو الصومال أو الطالبان لكنهم لا يمكن أن تكون لهم أية مواقف رسمية إيجابية فيما يتعلق بالقاعدة، بل لم تعد لهم أية مواقف رسمية فيما يتعلق حتى بالجهاد المحلي الذي يتوافق مع الأطروحة العقدية للقاعدة أو حتى بالدفاع عن الحقوق الطبيعية للبشر.في غزة، مثلا، خرج الفلسطينيون في مسيرات صاخبة حتى من الجامعة الإسلامية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ورفعوا اللافتات الكبرى وهي تحمل القسَم الشهير للشيخ أسامة بن لادن عن فلسطين وصور بن لادن، ورسموا على جدران المساجد صور الحدث. ولما اغتيل أبو مصعب الزرقاوي أمير تنظيم القاعدة في العراق صلى عليه الفلسطينيون صلاة الغائب حتى في مساجد حماس وخاصة مسجد الشافعي المحسوب على كتائب القسام. لكن «حماس» تنصلت في 12/6/2009 من بيان نعي نشرت خبرا عنه وكالة الأنباء البريطانية «رويترز» واعتبر الزرقاوي « شهيد الأمة ... وضحية الحملة الصليبية ضد العرب والمسلمين». وبعد الخطاب الشهير للظواهري في 11/3/2007 الذي قال فيه: «يؤسفني أن أواجه الأمة بالحقيقة المؤلمة، فأقول عظم الله أجرك في قيادة حماس فقد سقطت في مستنقع الاستسلام لإسرائيل»، استفحلت الخلافات بين قادة التيار الجهادي العالمي وحماس إلى حد العداء السافر والتشويه. هذه النتيجة السلبية في العلاقة بين التيار الجهادي العالمي و «الإخوان» كانت حتمية الوقوع عاجلا أم آجلا. فالجماعة صاحبة مبدأ « السلامة العامة» منذ ستينات القرن الماضي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الضربات والتشرد. ولا شك أن انحيازها التدريجي إلى «شركة اقتصادية» بموجب تعريف الجماعة لنفسها قد مكنها من إقامة شبكة علاقات عامة واقتصادية واستثمارات واسعة النطاق في مختلف دول العالم، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، محققة بذلك مكاسب مادية مغرية وثروات لم تحلم بها حتى بعض الدول العربية، فلماذا تغامر باستثماراتها واقتصادها العالمي والمحلي المضمون من أجل مشروع لن يجلب لها سوى الويلات؟ فلو انحازت الجماعة مثلا إلى تأييد المشاريع الجهادية المحلية والعالمية فستكون قطعا محل ملاحقة ومطاردة على مستوى استثماراتها وعلى مستوى الفروع وعلى مستوى الأفراد الذين سيغدون متهمين في كل مكان بكونهم «إرهابيين». لهذا لم يكن مستغربا أن تقف الجماعة وفروعها موقف المعارض لكل عمل ضد الأهداف الغربية في عقر دار الغرب، وإدانة كل عمل ضد المصالح الغربية حيثما كان، وإدانة كل عمل ضد المصالح الغربية حيثما كان، وتحصين الإدانة بغطاء شرعي كالحديث عن المستأمنين والأبرياء والمدنيين وما إلى ذلك. أما نشأة «حماس» فكانت حالة استثنائية، وفي ظروف معينة، لكنها مقيدة بحدود المصالح العليا للجماعة وفروعها. وهذه المصالح تقضي بمنعها من الخروج من فلسطين. وحتى حين انطلاقتها كان لا بد من اختبار ردود الفعل ومدى تأثيرها على الجماعة، فلم يصدر ميثاقها ولم تعرِّف عن هويتها إلا بعد ثمانية شهور مقدما إياها كـ «جناح من أجنحة الإخوان المسلمين».ولقد أثبتت «حماس»، بعد سيطرتها على غزة وطرد حركة فتح منها في 14/6/2007 أنها حركة دموية في علاقاتها السياسية والاجتماعية عبر ارتكابها ثلاثة مذابح جماعية في زمن قياسي لا يزيد عن السنة الواحدة، اثنتين منها ضد جماعات إسلامية أسفرت عن مقتل العشرات وإصابات مماثلة والثالثة ضد «عائلة حلّس» التي قتلت فيها 17 فردا من العائلة. هذا علاوة على عمليات القتل الفردية وسحل الجثث والإعدامات وإطلاق الرصاص على الركب والتعذيب والعقوبات في وسط الساحات. ولعل أكثر المستهدفين في سياساتها الاستئصالية في غزة، منذ أكثر من عام، هم عناصر وجماعات التيار الجهادي والتي كان أولها مذبحة «جيش الإسلام» في شهر رمضان 2008 وآخرها مذبحة «مسجد ابن تيمية» عشية رمضان 2009.
إخوان العراق(2)
الثابت أن الإخوان في العراق بمن فيهم «الاتحاد الإسلامي في كردستان» العراق، حيث لا مؤسسة ولا تنظيم لهم قبل الغزو، لم يترددوا لحظة في الالتحاق بالعربة الأمريكية خلال التحضير لغزو العراق. فقد شاركوا في مؤتمري لندن وصلاح الدين بحثا عن دور لهم في عراق ما بعد الغزو. وكان لهم ما أرادوا. وبلغت خدماتهم للمشروع الأمريكي حدودا لا حصر لها ابتداء من المشاركة في مجلس الحكم الانتقالي وتشكيل جبهة التوافق السنية والتحدث باسم السنة والمشاركة في الانتخابات والعملية السياسية برمتها وتمرير الدستور واستيطان المنطقة الخضراء مرورا بالطلب من الولايات المتحدة الاحتفاظ بقوات كبيرة في العراق لفترة تصل إلى خمسين عاما، وانتهاء بالتوقيع على الاتفاقات الأمنية قبل أن يوقع عليها الروافض. ولما أفل نجمهم حاولوا استمالة زعماء الأكراد إلى صفهم ، مسعود البارازاني وسيد الإلحاد الرئيس العراقي جلال الطالباني؛ فقدموا لهما تنازلات واسعة النطاق في الموصل كي يحظوا بدعمهم لما اختلفوا مع حكومة نوري المالكي وعادوا إليها بعد أن وجدوا أن المصلحة العامة تقتضي رجوعهم إلى صف الحكومة!ومع ذلك، وفي 30/5/2005 اقتحم الأمريكيون منزل محسن عبد الحميد أمين عام الحزب الإسلامي فجرا وفتشوا بيته وأفسدوا محتوياته وداسوا بأرجلهم على عنقه لمدة عشرين دقيقة كما اعترف هو بنفسه، و « بعد استجوابه تبين أنه أوقف عن طريق الخطأ»! وكل ما فعله محسن عبد الحميد أنه لم ينتصر حتى لكرامته فاحتج على «الإهانة» أمام وسائل الإعلام قائلا: «أليس في البلد قانون؟ رئيس حزب ولا يمتلك حصانة؟»!!! بلى! لكن الحق على بساطير الأميركان التي لم تميز ولم تحفظ جميلا لجميل.فقد تكون اجتهدت هي الأخرى لكنها هذه المرة أخطأت فلها أجر واحد.العجب في «إخوان» العراق هو ذات العجب في كافة فروعهم حيث كانوا، فالقالب الذي صنعهم واحد، وكل يلعب دوره بحسب الظروف. ففي العراق انتظمت أوسع شرائحهم، سياسيا وأمنيا، في تحالف مباشر مع الأمريكيين والحكومة، وحتى مع الروافض لدرجة أنهم عانقوا رؤوس الروافض واستعانوا بالسيستاني، وشريحة أخرى فضلت قتال الأمريكيين! وشريحة ثالثة عارضت العملية السياسية فقط لكنها لم تعارض الأمريكيين، وشريحة رابعة شكلت ميليشيات صحوية في خدمة القوات الأمريكية ضد كافة المجاهدين، وشريحة خامسة اشتغلت بالنهب من أوسع أبوابه، وشريحة سادسة التحقت بهيئة علماء المسلمين، وشريحة سابعة ضلت الطريق وما زالت تنتظر «الباص» لتتعرف على الدور المنوط بها لتلعبه، وشريحة ثامنة نأت بنفسها عما يجري في البلاد؛ فبعضها هاجر وبعضها غط في سبات عميق كالدببة القطبية في عز موسم الثلوج ... وهكذا. أما فيما يتعلق بدورهم في ضرب المشروع الجهادي في العراق فحدث ولا حرج. فقد سخّروا الجماعة لخدمة المحتل وأعوانه أيما تسخير. فكانوا أول من أسس الصحوات في القائم عبر ما عرف آنذاك بـ « كتائب الحمزة» التي تشكلت بدعم وتمويل أمريكي وانتشرت في عدة محافظات عراقية لمحاربة القاعدة في المراحل الأولى من تأسيسها، ثم توسعت وشرعت بنصب الكمائن للمجاهدين وقتلهم والتجسس عليهم ونزع العبوات المزروعة أو إبلاغ الأمريكيين عنها. بل أن طارق الهاشمي زعيم الحزب الإسلامي تفاخر بأن التاريخ سيشهد أن الحزب الإسلامي هو أول من أسس الصحوات في العراق وليس المجرم عبد الستار أبو ريشة! وفي موضع آخر يقول: « نحن قدمنا تضحيات لأجل تطهير الأنبار والتاريخ سيكتب من بدأ بمحاربة القاعدة والثمن الغالي الذي دفعه الحزب في الأرواح والأموال»، ومن جهته يقول أسامة التكريتي عضو الحزب الإسلامي في لقاء له على قناة المستقلة في 12/7/2008: « الصحوات منا ونحن منها ونحن أنشأناها في الأنبار ودعمناها ورعيناها ونسقناها »، وزاد عليه السامرائي: «أنا أفتخر بأنني أنشأت الصحوات لمقاتلة دولة العراق الإسلامية». وفي أوج المؤامرة على المشروع الجهادي مثلوا رأس الحربة، واستغلوا تواجدهم في كتائب ثورة العشرين، ووجهوا لها طعنة غادرة في 26/3/2007 بانشقاقهم عنها وتكوين جماعة جديدة باسم «حماس العراق»، التي سخّرت أكثر قواتها في خدمة الصحوات والمشروع الأمريكي وإنشاء اللجان الثورية ومجالس الإسناد، وشرعت في قتال المجاهدين في الأنبار والفلوجة وديالى وبغداد والمقدادية وبعقوبة وأبو غريب وغيرها باسم كتائب ثورة العشرين! وشكلت هي وشقيقتها الإخوانية «جامع» تحالفا ما لبث أن تطور إلى جبهة سياسية جديدة باسم «المجلس السياسي للمقاومة» في 11/10/2007 بالتحالف مع جبهة الجهاد والإصلاح برعاية الجيش الإسلامي للتفاوض مع الأمريكيين باسم المقاومة وهو ما تجلى مؤخرا في أول ظهور إعلامي (15/7/2009) للأمين العام المجلس علي الجبوري. لكن أطرف المواقف البينية تلك التي تجري داخل الجماعة. وعلى كثرتها نقتبس بعضها كالتي جاءت على لسان أحمد سعيد الحامد عضو المكتب السياسي لـ «حماس العراق» في إجاباته على أسئلة «
ملتقى الإخوان المسلمين». فقد سئل «الحامد» عن العلاقة مع الحزب الإسلامي فأجاب: «أن ما اختاره الحزب الإسلامي لنفسه كمنهج يخالف الموقف الصحيح الذي كان عليه أن يقفه؛ فالمحتل أينما كان وكيفما كان لابد له من مقاومة تقارعه، لكن مع هذا فهم ليس كمن جاء على دبابة المحتل وساهم في الحكومات والعمليات السياسية فنقول: هم اجتهدوا باجتهاد نراه خاطئاً، وبذلك يكون اختلافنا معهم اختلاف تضاد لا تنوع». هذا الكلام يفسره العميد الركن أبو بصير الناطق العسكري باسم «جامع» الذي تعرض لذات السؤال في رده على أسئلة أعضاء شبكة حنين. إذ يقول:« الحزب الإسلامي اختار لنفسه السير في العملية السياسية، ونحن اخترنا الجهاد ورد الصائل. وموقفنا قائم على رد الصائل وهو محل اتفاق، وموقفهم قائم على فقه الضرر وموقفه محل خلاف واجتهاد.. ونحن أخذنا بما هو متفق عليه وهم اخذوا بما هو مختلف فيه». حقا! إن من البيان لسحرا. فالحزب الإسلامي لم يأت على ظهر دبابة أمريكية ليساهم في العملية السياسية، ولم يشارك في مؤتمري لندن وصلاح الدين، لكنه فعل ودخل مجلس « بول بريمر» باجتهاد، وشارك في العملية السياسية والشرطة والجيش والأمن باجتهاد، وأنشأ الصحوات العميلة والمجرمة باجتهاد، ووقع على الاتفاقية الأمنية باجتهاد، وشارك في التلاعب بثروات البلاد ومصيرها باجتهاد، وشرع للحكم الطائفي من الروافض وميليشياتهم الفاشية باجتهاد، وتآمر على الجهاد والمجاهدين وهدد بمقاتلتهم باجتهاد، وطالب الولايات المتحدة باحتلال طويل الأمد باجتهاد، وعمل عميلا على رؤوس الأشهاد باجتهاد، وباع الموصل لبرزاني وطالباني باجتهاد، وفعل كل الطوام العظمى باجتهاد!!! وهل تعرض محسن عبد الحميد للدوس بالأقدام الأمريكية باجتهاد؟ فإذا كانت كل هذه «السلوكيات» للحزب الإسلامي وميلشياته محض «اجتهاد» يجعل الفريقين في أسوأ الأحوال في موقف « تضاد»، ولكل منهما تبريراته، والقاعدة تقول: « من اجتهد وأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر». فما الذي يجب أن تفعله جبهة التوافق والحزب الإسلامي حتى يرتقيان من درجة «الخطأ» إلى درجة «الخيانة» ثم يتمتعان في مرحلة لاحقة بدرجة «الخيانة العظمى»؟ ثم كيف يمكن لحماس العراق أو جامع أن تتبرآ من جبهة التوافق وملاحقهما من الصحوات والعملاء وهما تعتبران ما تفعله محض اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ؟ والأكثر عجبا: بأي منطق أو شريعة يمكن فهم هذه المعادلة؟: فريق إخواني يقول أنه اختار قتال الأمريكيين، وفريق آخر يتحالف معهم. فإذا صادف أن التقى الطرفان في منازلة؛ فكيف سيتصرفان؟ هل يمكن لصاحب « فقه الجهاد» وفتاوى المارينز وأصنام باميان أن يحل هذه المسألة؟ لكن هل توقف الأمر عند هذا الحد؟بعد كل ما فعلته جبهة التوافق برئاسة الحزب الإسلامي في العراق ومن يدور في فلكهما من جماعات «جهادية» وصحوات وعملاء، على امتداد خمس سنوات، يخرج علينا كبيرهم محمد أحمد الراشد، الذي وظف كل خبراته وثقله في دعم إخوان العراق للدخول في العملية السياسية، في اجتهاد جديد عن الطهارة والعفة ليقول في كتابه الأخير « نقض المنطق السلمي – أيلول/سبتمبر 2008- ص3»، ناقدا تجربة الإخوان في العراق أن: « أكثر رجال هذه العملية السياسية هم من الثقات وأهل العفاف»!!! فإذا كان أغلب هؤلاء من «الثقات وأهل العفاف»؛ فمن هم الخونة والأنجاس في عرف «الإخوان المسلمين»؟ بل كيف تكون النجاسة عندهم؟ وما هو محتواها؟ وما هي مواصفاتها المادية والموضوعية والشرعية؟حتى موقف الجماعة الأم من جبهة التوافق وخاصة من الحزب الإسلامي لا يتعدى ما سبق من مواقف. ولعل الشعور بالحرج هو أكثر ما يمكن التعبير عنه. لكن رسميا لم تعلن جماعة الإخوان المسلمين براءتها، من أي منتسب أو فريق لـ « الإخوان» في العراق. ولم يصدر أي بيان إدانة لأية فعاليات مناقضة للشرع أو للمنطق الوطني قامت بها أية فرقة من الإخوان في العراق. وما تجدر الإشارة إليه أن «الإخوان المسلمين» في مصر شرعوا في تسجيل قوائم بالمتطوعين للدفاع عن العراق حين غزو البلاد، فسقطت بغداد ولم تكتمل القوائم بعد. ولا ندري كيف كانت الجماعة سترسلهم؟ ولا كيف سيتصرفون حين يجدون زملاءهم في الجماعة في تحالف مع الغزاة!!! ولو ذهبوا في يومنا هذا، بعد سنوات الكوارث التي صنعوها بأيديهم، لوجدوا شعارا لشعبة الحزب الإسلامي في الموصل يقول: « لنجاهد الأمريكان بالتوبة في رمضان»!!! فماذا نقول؟ نِعْمَ التطهر من الرِّجس؟ أم نِعْمَ الجهاد على الطريقة الأمريكية؟
إخوان الصومال(3)
ليس هناك جماعة أو حزب فيها من الشقاقات والصراعات والانقسامات أكثر مما في جماعة «الإخوان المسلمين» سواء على مستوى الجماعة الأم أو بالأخص الفروع. لكن ما حصل في الصومال يفوق ما حصل في أية ساحة أخرى. فما من حركة أو جماعة نالت من الطعون والاتهامات، من داخلها، بقدر ما نالته حركة الإصلاح «الإخوانية» التي تأسست سنة 1978، وغدت إحدى أكبر الحركات الإسلامية في القرن الأفريقي إن لم تكن أكبرها فعلا وأخطرها واقعا على حاضر الصومال ومستقبله. لنرى من هم «الثقات وأهل العفاف» في إخوان الصومال.فالحركة، منذ الإطاحة بنظام الرئيس الصومالي محمد سياد بري سنة 1991، على عداء مستحكم مع كل حركة مقاومة أو جماعة جهادية بدء من الاتحاد الإسلامي والجبهة الوطنية لتحرير أوغادين مرورا بالمحاكم وانتهاء بالجماعات الجهادية الراهنة في الصومال. بل هي معادية لكل من حارب تجار الحروب في الصومال، حتى أنها فصلت من عضويتها كل من التحق بالمحاكم الإسلامية حين سيطرت على الصومال صيف العام 2006. كل ما تلتزم به الحركة هو «النهج السلمي» الذي يمكنها من الحفاظ على رصيدها البشري والمالي كي يسهل عليها قطف الثمار حين تنضج بينما يخوض الآخرون حروبا طاحنة ضد أمراء الحروب والفوضى، وضد التدخلات الأجنبية من الولايات المتحدة إلى الأثيوبيين.لما بسطت المحاكم الإسلامية نفوذها على ربوع الصومال وحفظت فيه الأمن وحقنت الدماء، نأت حركة الإصلاح بنفسها عنها بعد فشل مفاوضاتها معها حول مطالبها وتطبيق رؤيتها، وحالت بين أعضائها والتحالف مع المحاكم فانشق عنها من انشق وخسر عضويته في الحركة من خسر. ولأن بيئة العمل التقليدي التي اعتادت عليها لم تعد متوفرة في ظل المحاكم، أو، بالأصح، لم تعد تلائمها فقد ضاقت عليها البلاد بما رحبت، ولم تجد أوسع من مدينة بيدوا المحاصرة من قبل المحاكم لتنقل إليها مكتبها الإداري هناك حيث آخر معاقل حكومة عبد الله يوسف حليفة الأثيوبيين! ومع ذلك فلما غزت أثيوبيا الصومال بعد ستة أشهر من حكم المحاكم أصدرت الحركة
بيان شجب واستنكار في 26/7/2006 لم تذكر فيه كلمة احتلال أو عدوان أو غزو، ولم تدع فيه إلى أية مقاومة أو جهاد ضد الأثيوبيين. فماذا كانت تفعل خلال الغزو؟ وماذا كان يُرتجى منها؟لندع د. علي باشا عمر المراقب العام المنتخب حديثا على أنقاض د. علي الشيخ أبو بكر يحدثنا عن ذلك بعد انسحاب الأثيوبيين من البلاد عن دور الحركة خلال الغزو الأثيوبي: « إن الحركة لم تكن طرفا في النزاعات المسلحة التي قامت بين الحكومة الانتقالية والقوات الإثيوبية الداعمة لها من جهة وبين المحاكم الإسلامية طيلة السنتين الماضيتين»، أما لماذا؟ فلأنها: « لم تؤمن يوما أن يتم حل الخلافات بين الأشقاء بفوهات المدافع. كما أنه ليس من منهج الإخوان السعي إلى التغيير بالعنف أو بواسطة الانقلابات والثورات .. (بل) .. على أساس نهج الإصلاح التراكمي المبني على الوسطية والشمولية». الطريف في هذا «المنطق السلمي» المزعوم الذي تؤمن به الحركة أنه ينطبق على الغزاة الأجانب وأمراء الحروب وتجارها مثلما ينطبق على المجاهدين. فكلهم في سلة «الوسطية والاعتدال والشمولية» سواء بسواء. والحقيقة أنه منطق يبرئ الاحتلال وينأى به عن أية مسؤولية رغم أن عدد قتلى الصوماليين خلال سنتي الاحتلال الأثيوبي بلغ 18 ألف ضحية. هؤلاء لم يتباكوا عليهم بينما عميت عيونهم وحلفاءهم من البكاء على بضع عشرات أو مئات من ضحايا شيخ شريف والقوات الأفريقية.فما جرى بالنسبة للحركة هو، فقط، نزاع داخلي بين المحاكم والحكومة الانتقالية التي استدعت القوات الأثيوبية لمساندتها! فإذا زالت أسباب التدخل الأثيوبي في الصومال ستنتهي المشكلة!! وكأن قوى الشر في العالم كانت بحاجة إلى أسباب لاحتلال العراق أو الانقلاب على انتخابات الجزائر أو تلحيم البوسنة أو تدمير أفغانستان والشيشان مرتين، أو ارتكاب أفظع المذابح الجماعية ضد المسلمين في غزة وتركستان الشرقية ونيجيريا وكشمير والهند وتايلند، أو مطاردة الإسلام برمته وليس «الإخوان»، فقط، في تونس وسوريا ومصر والمغرب وليبيا، أو نشر الرسوم المجرمة بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، عدة مرات، في الدنمارك وهولندا وإيطاليا وألمانيا والنرويج وغيرها، أو تصريحات بابا الفاتيكان المهينة بحق الرسول الكرم صلوات الله وسلامه عليه. أية فلسفة هذه التي تنتهجها الحركة؟ وأي منطق أو شريعة تسمح لحركة إسلامية أن تجاهر بالقول أنها « لم تكن طرفا في النزاع» على أرض إسلامية وشعب مسلم يتعرضان لغزو صليبي؟ فهل التزام الحركة بفلسفتها باتت كتابا منزلا أهم وأولى من دفع الصائل؟ أم أنها ضالعة حتى النخاع في تحالف شيطاني مع الغزاة؟ وهل كانت الصومال تقع على ظهر المريخ كي تكتفي الحركة بموقف الحياد إزاء غزو أجنبي صليبي لبلادها؟ما من منطق سوى منطق الحركة. وكما يقول الكاتب المصري حسام تمام: «حيثما كانت مصلحة ""الجماعة"" فثم شرع الله!»، فكل ما يهم الإخوان المسلمين في الصومال على اختلاف آرائهم ومنازعهم هو إعادة بناء الدولة. لذا فقد ساهمت الحركة في حوارات جيبوتي التي أسفرت عن تعيين شيخ شريف رئيسا جديدا للصومال. وتقرأ هذا الانتخاب باعتباره « نصرا تاريخيا للمقاومة جمعاء ... و حدثا تاريخيا» بالنسبة لاستعادة الدولة ومؤسساتها. وهنا لا يهم إن كان هذا التقييم صحيحا أو خاطئا، فالمهم أنه يوافق « شرع الجماعة» الباحثة قبل الغزو الأثيوبي وبعده عن دولة كهدف أول كما يقول د. عثمان أحمد إبراهيم. فليس مهما ما هي هوية الدولة؟ ولا من هم حكامها؟ ولا ما هو حاضرها أو مستقبلها؟ وليس مهما من يأتي بها؟ ولماذا؟ ولأية أهداف؟ حتى لو جلبتها طائرات الولايات المتحدة وحلفائها أو بساطير ودبابات الجيش الأثيوبي، وحتى لو عاد أمراء الحرب إلى مواقعهم سالمين غانمين، وحتى لو كان على حساب الذين بذلوا دماءهم رخيصة لتبيعها حركة الإصلاح في أسواق الوسطية والاعتدال، وحتى لو استوطنت فيها القوات الدولية أو ظلت مشاعا للقوات الأثيوبية، وحتى لو استدعى ميلادها على يد شيخ شريف التحالف مع أثيوبيا والاستعانة بالقوى الاستعمارية والصوفية اللعينة واللصوص لسفك المزيد من الدماء وعرقلة كل بارقة أمل. المهم: « إيجاد دولة يعم فيها الأمن والاستقرار» وتنتعش فيها مؤسسات الحركة وفلسفتها التغييرية بدلا من: «العنف والميليشيات المسلحة التي تملأ الشوارع».وهكذا فما أن تم تنصيب شيخ شريف أحمد حتى أصدرت حركة الإصلاح في 3/3/2009 بيانا قدمت فيه: «التهاني والتبريكات إلى الرئيس الصومالي الجديد والبرلمان الوطني الموحد ورئيس الوزراء الجديد السيد عمر عبد الرّشيد على شرماركي وأعضاء حكومته». لكن إذا كانت اتهامات د. محمد علي إبراهيم الوزير في حكومة شريف للحركة في حواره مع «الصومال اليوم» وهو يقول: « إذا كانت تصريحاتهم متناقضة، وتفتقر إلى التنسيق فهذا شأنهم ؛ لكننا نعرف أنهم حاربوا المحاكم وساعدوا إثيوبيا والحكومة العميلة بقيادة عبد الله يوسف» لم تعجب الحركة، وهو (الوزير) الذي كان مراقبا عاما لها لفترتين متتاليتين؛ فماذا تقول الحركة في عزل القيادة السابقة لها وتشكيل قيادة جديدة بمراقبة د. عثمان أحمد إبراهيم؟قبل أن تنقضي سنة 2007 بأيام كانت الحركة على موعد مع تغيرات عاصفة أسفرت عن عقد مؤتمر استثنائي في الفترة ما بين 24 - 29 ديسمبر 2007 لاختيار قيادة جديدة خلفا للمراقب العام د. علي الشيخ أبو بكر. وتضمن البيان الختامي للمؤتمر اتهامات شهدتها الحركة تمثلت بـ: « انحرافات منهجية وتنظيمية»، والأهم من ذلك حديثه عن: « تعطيل وعجز لمجلس شورى الحركة ومجلسها التنفيذي عن أداء مهامهما تجاه الدعوة وقضايا الوطن». وكشف البيان عن حزمة من الاتهامات التي عكست واقع الحركة وسياسات قياداتها برئاسة د. علي شيخ أبو بكر من حيث: «عدم اتخاذ مواقف من الاجتياح العسكري الإثيوبي للصومال أواخر عام 2006 »، حيث: « برزت الحاجة الملحَّة إلى دور الحركة بعد الاجتياح الإثيوبي، وما سببه من قتل آلاف الصوماليين وهدم أكثر من ثلثي العاصمة الصومالية، وتدمير ممتلكات تقدر بـ 3 مليارات دولار»، وأن القيادة المقالة: « بدلاً من أن تقوم بمواجهة هذا العدوان السافر وتعبئة الشعب الصومالي ضده، فإنها عمدت إلى العمل مع الحكومة الصومالية العميلة التي جاءت بالاحتلال، وتبرير هذا الغزو الغاشم (بأنه جاء بناء على طلب الحكومة الانتقالية)، معطلة بذلك فريضة الجهاد في مثل هذه الظروف التي تمر بها الصومال حاليًّا».أول ما يتبادر إلى الذهن إزاء هذه الاتهامات هو التساؤل عن موقف الجماعة الأم. فهل ستؤيد القيادة الجديدة التي تبدو أكثر وطنية من القيادة المقالة؟ هذا ما يتوقعه الناس كموقف مبدئي من قيادة تحالفت مع الشيطان. لكن ليس هذا ما حصل أبدا. فقد نفى مكتب المرشد العام تصريحات خاصة له بموقع «إسلام أن لاين» في 21/1/2008 قال فيها: « نرحّب بقيادة الإخوان الجديدة التي تتمسك بالمقاومة كخيار لمواجهة مخططات الولايات المتحدة، وتحرير الصومال من القوات الإثيوبية»، موضحا أن: « ما حدث ليس فترة انتقالية كما يروّج البعض، وليس انقلابًا على قيادات الجماعة السابقة، بل انعكاسًا طبيعيًّا للديمقراطية داخل الإخوان المسلمين»، وأن: « القيادة الجديدة تأتي في إطار تفعيل دور المقاومة كإحدى الوسائل المشروعة لمقاومة المحتل». ففي اليوم التالي أكد المرشد العام على موقع «إخوان أن لاين»، أن تصريحاته لموقع: « إسلام أون لاين لم تتطرق من قريبٍ أو بعيد إلى وضع الإخوان الداخلي في الصومال، ولم ترد على لسانه أي أسماءٍ من قيادات الحركة هناك، كما أن التصريحاتِ التي أدلى بها لإحدى محررات الموقع خلت من ذكر أي انقساماتٍ أو تقليلٍ من دور حركة الإصلاح الصومالية في رفضِ العدوان على الصومال وشعبه». ومعبرا عن: « احترامه وتقديره الكامل لقيادات الحركة في الصومال في مرحلةٍ حرجةٍ من عمر هذا القطر الإسلامي الذي تسعى سهام الغدر للنيل من وحدته وقدراته». إذا كانت الخلافات العاصفة قد ضربت حركة الإصلاح من رأسها حتى أخمص قدميها وطالت كل جانب فيها؛ وإذا كانت القيادة القديمة أقيلت على خلفية تحالفات شيطانية ومواقف مهينة تجاه الأثيوبيين وحكومة عبد الله يوسف؛ وإذا كانت المشكلة الأكبر في إقالة القيادة القديمة تتعلق بعدم اتخاذها موقفا تجاه الغزو الأثيوبي؛ فما هي الكرامة التي سيجنيها المرشد العام من تزكية قيادة خرجت فضائحها على الملأ؟ أم أن موقف الجماعة الأم مماثل لموقف حركة الإصلاح مما يجري في الصومال؟الحقيقة أن ذات المواقف التي عبرت عنها حركة الإصلاح حين الغزو الأثيوبي عبر عنها مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين. فقد أصدرت الجماعة بيانا موقعا باسم المرشد في 26/12/2009 أدان فيه: «العدوان الإجرامي على الصومال وشعبه»، و « طالب بدعم الشعب الصومالي بكل الوسائل المادية والسياسية والمعنوية للتصدي لهذا العدوان»، ودعا: « كل فرقاء الشعب الصومالي وحكومته لحل مشكلاتهم في إطار تفاوض سلمي فيما بينهم ودون استقواء بأي قوى خارجية أو الوقوع في غواية التبعية للقوى الكبرى التي لا ترجو لا للشعوب العربية أو الإسلامية ولا للمنطقة أي خير». لكن بعد تنصيب شيخ شريف رئيسا على الصومال رحب المرشد العام بحسن الخاتمة، وضرب بعرض الحائط كل من ضحى بدمه وماله من أجل هزيمة الأثيوبيين وإجبارهم على الانسحاب من الصومال! وهكذا يكون «الثقات وأهل العفاف»! ومن لا يعجبه فلينزل من «الباص».هكذا إذن! نحن أمام جماعة وفروع تنصلت من تاريخها وأطروحاتها تماما، وباتت تعمل كصمام أمان لـ « سايكس - بيكو»، وللقوى الغازية حيثما حلت. أما الجهاد فقد أمسى يشكل بالنسبة لها، منذ زمن، عبئا يصعب احتماله. فقد أثبت الجماعة وفروعها بالتجربة الحية أنها على استعداد، في كل ساحة ساخنة، أن تصطف مع القوى المعادية للأمة ومصالحها ومصيرها سواء كانت غازية أو محلية. وبما أنها تبحث عن تحقيق «السلامة العامة» مهما كان مصدرها، وبأي ثمن فلن تتردد، في أي حين، أن تعرض خدماتها على أرباب العمل، للقيام بمهمة:• توفير الغطاء الشرعي والمبررات عند الضرورة، وهو ما فعلته في أكثر من موضع.• والتحالف مع الأعداء، وحمل السلاح ضد المجتمع وقواه المجاهدة. فهذا أمر تجاوز التشريع ودخل حيز العمل الميداني. أما مقاومة الاحتلال فهي «عنف» و «إرهاب» منبوذ. وهنا بالذات تختفي الحاجة لفلسفة «التغيير السلمي» عند الجماعة، بحيث يكون التحالف مع العدو واجب، مثلما هي الحرب على المجاهدين أوجب!!! فلماذا يؤيدون الجهاد العالمي ولو بصيغته المحلية ذات الأطروحة العقدية الصارمة؟سؤال: هل يمكن لجماعة تتصرف على هذا النحو مع الأعداء أو مع مجتمعاتها أن تكون أمينة على شريعة الأمة أو مصالحها أو مصيرها؟ حقا! لله في خلقه شؤون!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق